يواصل ريال مدريد تحوّله الكبير تحت قيادة المدرب تشابي ألونسو، بعدما أصبح الفريق الأكثر افتكاكا للكرة في الثلث الأخير من الملعب بين فرق الدوريات الـ5 الكبرى.
لم يعد الأمر مجرد فوز في “الكلاسيكو”، بل بداية لثورة تكتيكية حقيقية جعلت الفريق الأبيض أكثر شراسة وانضباطا وتناغما مع فكر يفرض الخناق على كل منافس يقع في طريقه.
ووفقا لصحيفة “ماركا” الإسبانية، فإن “الكلاسيكو” شكّل نقطة تحول حقيقية في مسيرة ريال مدريد هذا الموسم، ليس بسبب النتيجة فقط، بل لأنه ترك انطباعا بأن شيئا عميقا تغيّر في داخل الفريق. فقد احتفل الميرينجي بانتصاره حينها بشغف كبير رغم أنه لم يكن على لقب، لكن ما جاء بعده كان أهم بكثير: لم يتراخَ الفريق ولم يسمح للحماس أن يتبدد.
قدّم اللاعبون أمام فالنسيا أداءً بنفس القوة والانضباط والرغبة، وكأنهم يخوضون مباراة نهائية جديدة. ربما يعد ظهور تلك الروح هي أعظم إنجاز لألونسو منذ توليه المهمة.
في غضون 14 مباراة فقط في الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا، وبعد فترة إعداد قصيرة للغاية، أصبح لريال مدريد هوية جديدة تحمل توقيع مدربه في كل تفصيلة. لم يعد التحول مقتصرا على الجانب التكتيكي، بل أصبحت ملامح تأثيره فكريا وسلوكيا واضحة أيضا.
يؤمن اللاعبون بالفكرة ويجسدونها على أرض الملعب، كرة الفريق أصبحت أكثر انسيابية، والطاقة تتضاعف، والثقة تتجلى حتى في أصعب اللحظات. والنتيجة: فريق يسيطر ويخنق خصومه بخطة لا تمنحهم مجالا للتنفس.
هندسة الضغط العالي.. لا أحد يهرب من الميدان
حوّل ريال مدريد الضغط العالي إلى عمل هندسي متكامل في عهد تشابي ألونسو، حيث لم يعد الأمر يتعلق بالجري أكثر، بل بالجري بطريقة أذكى وأدق. كل حركة محسوبة بعناية، وكل خطوة تُنفذ بهدف واضح، لتتحول عملية خروج المنافس بالكرة إلى حقل ألغام مليء بالفخاخ التكتيكية المتقنة.
ألونسو صنع قفصا قاتلا، وليس مجرد منظومة ضغط تقليدية. إنه قفص قائم على طموح لاعبين لا يرضون بالانتظار أو التراجع السلبي، حيث أصبح الفريق يهاجم بلا توقف ويرفض التراجع خطوة واحدة، وهو ما يلقى إعجابا واسعا داخل غرفة الملابس.
وقال المدرب بعد آخر انتصاراته: “لعبنا بكثافة عالية وضغطنا فور فقدان الكرة. الطاقة الإيجابية والتضحية الجماعية والرغبة في تقديم كل شيء للفريق خلقت كيمياء رائعة بين اللاعبين، وهذا ما نبحث عنه دائما”.
لكن ما يبدو بسيطا في حديث ألونسو هو في الواقع مهمة معقدة جدا. فنجاحها يعتمد على التزامٍ مطلق وفهمٍ جماعي عميق، إضافة إلى انسجام غريزي بين اللاعبين. مفهوم “الضغط بعد فقدان الكرة”، الذي أصبح شعارا في كرة القدم الحديثة، يجد في ريال مدريد أحد أنجح تطبيقاته وأكثرها شراسة. الإحصاءات وحدها لا تكفي لشرح هذا التغيير، فالعنصر الحاسم هو الجوع الدائم لدى اللاعبين للقتال على كل كرة، وعدم منح الخصوم لحظة راحة واحدة. ألونسو زرع داخل الفريق ثقافة لا تقبل المساومة على التميز، وخلق بيئة تنافسية لا تعرف التهاون.
أرقام تروي الثورة المدريدية
الأرقام لا تكذب، وهي تُظهر حجم الثورة التي يشهدها ريال مدريد، حيث قلّل الفريق عدد التمريرات التي يسمح بها للمنافس قبل فقدان الكرة إلى 11.8 فقط، وهو رقم يعكس عدوانيته ودقته في الضغط. كل افتكاك للكرة يتحول إلى فرصة هجومية فورية، في حين يتصدر نادي كومو الإيطالي بقيادة سيسك فابريجاس هذا المؤشر في أوروبا (6.76)، لكنه لا ينافس ريال مدريد في جانب محدد: الفريق الملكي هو الأكثر استعادة للكرة في الثلث الأخير من الملعب، برصيد 37 افتكاكا ناجحا.
ويأتي خلفه كل من ستراسبورج (34)، بريست (33)، برايتون (32)، وبرشلونة (31). وهي أرقام تُجسد عملا جماعيا منضبطا يشارك فيه الجميع من المهاجمين حتى لاعبي الوسط.
وقال فيدي فالفيردي معبّرا عن تلك الروح الجديدة: “لدينا لاعبون أصحاب جودة عالية، لكن ما أقدّره أكثر هو فخرهم في القتال لاستعادة الكرة. نضغط فور فقدانها، لأن هذا هو الوقت الذي نصنع فيه أكثر الفرص. يجب أن نستمر في تطوير هذا الجانب. اللاعبون في الخط الأمامي يقومون بجهد هائل لاستعادة الكرة، ونحن في الخلف فخورون بما يقدمونه”.
تصريحات ألونسو
أكد الإسباني تشابي ألونسو، المدير الفني لريال مدريد، أن كيليان مبابي هو المنفذ الأول لركلات الجزاء في الفريق، لكنه أشار إلى أن “اللاعبين أحيانا يتخذون قراراتهم داخل الملعب”، وذلك في تعقيبه على واقعة تنفيذ فينيسيوس جونيور لركلة الجزاء التي أهدرها أمام فالنسيا، ما أثار انفعال المدرب على الخط.
ووفقاً لصحيفة “آس” الإسبانية، حاول ألونسو التخفيف من حدة الواقعة خلال المؤتمر الصحفي، موضحا: “غضبي كان بسبب الإهدار وليس بسبب اللاعب الذي سدد”، قبل أن يضيف عبارته اللافتة: “نحن نُحدد منفذي الركلات، ومبابي هو الأول، لكن بعد ذلك تُتخذ قرارات (الفردية من جانب اللاعبين أنفسهم)”.
وأكد مدرب ريال مدريد أن هذا كل ما في الأمر، تاركا التفسيرات مفتوحة أمام الجميع.
وخلال المؤتمر ذاته، تجنب ألونسو الدخول في تكهنات حول معدل تسجيل مبابي، الذي يملك حاليا متوسطا مذهلا يبلغ 1.29 هدف في المباراة (18 هدفا في 14 لقاء)، وقال: “الحديث عن ستة أشهر قادمة سيكون مجرد تخمينات، لكن من الواضح أن لديه سهولة كبيرة في الوصول إلى المرمى، ولا أعرف كم سيسجل، لكنه سيسجل كثيرا”.
وأشاد المدرب الإسباني بالأداء المتطور لفيدي فالفيردي في مركز الظهير الأيمن قائلا: “مع الكرة يملك روح لاعب الوسط، لكنه يتمتع بقوة بدنية هائلة. كلما لعب أكثر، يشعر بالمركز بشكل أفضل”.
كما برر قراره بعدم إجراء تدريب في ملعب أنفيلد قبل مواجهة دوري الأبطال قائلا بابتسامة: “هذا قراري، حتى لا تلتقطنا 200 كاميرا”.
وسُئل ألونسو عما إذا كان الفريق يفتقد أهدافا إضافية عندما يتنازل مبابي عن ركلة جزاء لفينيسيوس، فأجاب: “مبابي سجل هدفين آخرين، ويحافظ على معدل ممتاز يمكنه من المنافسة على الحذاء الذهبي في نهاية الموسم. الأهم أننا حصدنا ثلاث نقاط جديدة، بعد مباراة متكاملة دون استقبال أهداف. كانت مواجهة جادة وبذلنا فيها طاقة عالية، بدأناها بقوة وحركة جيدة واستحواذ سريع، ثم أدرناها بشكل مثالي. ربما كنا نستحق أهدافا أكثر، لكن المباراة كانت رائعة من كل النواحي”.
وعند سؤاله عما إذا كانت “ليلة مثالية”، قال: “ليست مثالية تماما، لكنها كانت جيدة جدا. أدرنا الدقائق في الشوط الثاني لأننا نعرف ما ينتظرنا الثلاثاء. كنا متقدمين ومسيطرين، وكان علينا أن نتصرف بذكاء لأن بعض اللاعبين لعبوا كثيرا مؤخرا. لا نريد التراخي، بل سنواصل بنفس الجدية أمام ليفربول ثم في مباراة الأحد بملعب فاييكاس”.
