فجر أحد الصحفيين الإسبانيين، اليوم الجمعة، مفاجأة من العيار الثقيل، بشأن مستقبل فلورنتينو بيريز، في رئيس نادي ريال مدريد.
وأكد الصحفي الإسباني بيبي ألفاريز، عبر حسابه على منصة “إكس”، أن رئيس ريال مدريد، فلورنتينو بيريز، اتخذ قرارا بمغادرة منصبه خلال العام المقبل، رغم أن ولايته الحالية تمتد رسميا حتى عام 2028.
وبحسب ما ذكره ألفاريز، فإن بيريز يرغب في أن تتم عملية الخلافة داخل النادي بصورة منظمة وهادئة، سواء وافق الأعضاء على الاستفتاء المطروح داخل النادي أو لم يوافقوا، في إشارة إلى حرصه على انتقال سلس للسلطة يحافظ على استقرار المؤسسة الرياضية الأكبر في العالم.
ويأتي هذا التطور في ظل مرحلة حساسة يعيشها ريال مدريد، سواء على الصعيد الإداري أو الرياضي، خصوصا بعد سلسلة من التحولات الكبرى على مستوى المشروع الرياضي والبنية التحتية، وعلى رأسها مشروع تطوير الـ”سانتياجو برنابيو” الذي كان يمثل علامة فارقة في حقبة بيريز الثانية.
وحتى اللحظة، لم يصدر أي تعليق رسمي من النادي الملكي يؤكد أو ينفي ما ورد في تغريدة الصحفي الإسباني، إلا أن حديث بيريز عن مستقبل الرئاسة خلال مناسبات سابقة، واهتمامه بالتحضير لـ”مدريد المستقبل”، يزيد من حدة التكهنات حول ما إذا كان النادي مقبلاً على تغيير تاريخي في قيادته.
ومع انتشار الخبر، بدأت التساؤلات تتصاعد داخل الأوساط المدريدية حول هوية الرئيس المحتمل، وكيف ستتعامل الجمعية العمومية مع هذا السيناريو، وما إذا كان النادي سيتجه إلى انتخابات مبكرة أم إلى ترتيبات انتقالية داخلية.
وفي حال تأكيد القرار، سيكون نهاية واحدة من أهم الفترات في تاريخ ريال مدريد، حقبة شهدت بناء مشروع رياضي ضخم ونجاحات استثنائية على المستوى الأوروبي.
رئيس أسطوري
يُعد فلورنتينو بيريز واحدًا من أبرز الشخصيات التي غيرت خريطة كرة القدم العالمية خلال العقود الأخيرة.
فالرجل الذي وُلد في مدريد عام 1947 لم يكن مجرد رئيس نادٍ، بل مهندس مشروع متكامل نقل ريال مدريد من فريق كبير إلى مؤسسة رياضية واقتصادية تُدرس عالميًا.
ونشأ بيريز في عائلة متوسطة، وتوجه لدراسة الهندسة المدنية في جامعة مدريد التقنية، قبل أن يبدأ رحلة طويلة في عالم الأعمال انتهت بوصوله إلى رئاسة واحدة من أكبر شركات البناء في أوروبا.. هذا النجاح انعكس على شخصيته القيادية داخل النادي، حيث جمع بين الانضباط الهندسي والجرأة الاستثمارية.
ودخل بيريز عالم ريال مدريد رسميًا عام 2000، بعد حملة انتخابية قلبت الموازين حين وعد بجلب لويس فيجو من الغريم برشلونة.
وعد بدا مستحيلًا حينها، لكنه نفذه بدقة وبرود حيث أعاد صياغة مفهوم التفاوض الرياضي. ومع تلك الصفقة، بدأ ما سيُعرف لاحقًا بـ عصر الجالاكتيكوس؛ مشروع يقوم على ضم أفضل لاعبي العالم وتحويل النادي إلى قوة تسويقية كاسحة.
فمع تعاقده مع زين الدين زيدان، رونالدو نازاريو، روبيرتو كارلوس، ديفيد بيكهام، مايكل أوين وغيرهم، لم يعد ريال مدريد مجرد فريق يبحث عن الألقاب، بل إمبراطورية تجارية تُباع قمصانها في كل دولة، وتتابع مبارياتها جماهير في كل القارات.
لكن بيريز لم يكن مهتمًا بالنجومية فقط، بل بالهيكلة العميقة للنادي. ففي عهده الأول، أطلق مشروعًا استثنائيًا تمثل في بيع المدينة الرياضية القديمة للنادي مقابل مبلغ ضخم، استخدمه لتسديد الديون وبناء مدينة رياضية حديثة في “فالدبيباس”، وهي خطوة أحدثت تحولًا جذريًا في اقتصاد النادي وقدرته على التوسع. ومع ذلك، لم تكن الحقبة الأولى كاملة النجاح؛ فالتوازن بين النجومية والأداء الرياضي لم يتحقق دائمًا، ومع تراجع النتائج، قدم بيريز استقالته في 2006 في خطوة نادرة تُظهر تحمّله للمسؤولية.
بعد ثلاث سنوات، عاد بقوة إلى المشهد الانتخابي، لكن هذه المرة برؤية مختلفة وواقعية أكبر. في 2009، استعاد النادي وهجه من جديد عبر ضم كريستيانو رونالدو، كريم بنزيما، كاكا وتشابي ألونسو.
ومع مرور السنوات، شكل هذا الأساس حقبة ذهبية لا تُنسى، بلغت ذروتها بتحقيق خمسة ألقاب دوري أبطال أوروبا بين 2014 و2022. نجاحات جعلت ريال مدريد أعظم نادٍ في العصر الحديث، وأعادت ترسيخ مكانته في قمة الهرم الأوروبي.
على المستوى الاقتصادي، أرسى بيريز نموذجًا جديدًا في الإدارة الرياضية. فقد رفع إيرادات النادي سنويًا إلى مستويات غير مسبوقة، وحافظ على سياسة مالية صارمة جعلت ريال مدريد ناديًا بلا ديون خطيرة رغم الاستثمار الضخم في الفريق والبنية التحتية.
ويبرز مشروع إعادة تطوير ملعب “سانتياجو برنابيو” كواحد من أفضل المشاريع التي ارتبطت باسمه: ملعب متعدد الاستخدامات، مجهز بأحدث التقنيات، ويهدف لتحويل العاصمة مدريد إلى مركز عالمي للفعاليات الرياضية والترفيهية.
وهكذا، عبر أكثر من عقدين في منصبه، أصبح فلورنتينو بيريز ليس مجرد رئيس نادٍ، بل رمزًا لحقبة كاملة. حقبة تمتزج فيها الرياضة بالتسويق، والنتائج بالاستثمار، والتاريخ بالمستقبل. وبغضّ النظر عن الجدل الذي قد يرافق شخصيته أحيانًا، يبقى تأثيره على ريال مدريد وعلى كرة القدم العالمية أثرًا لا يمكن إنكاره.
