FBL-EUR-C1-GALATASARAY-LIVERPOOL

في كرة القدم، لا تحتاج الأزمات إلى أشهر كي تتشكل، بل قد تكفي أسابيع قليلة فقط ليجد نادٍ عريق نفسه تحت ضغوط غير مسبوقة. هكذا يبدو المشهد في ليفربول مع بداية الموسم الجديد، رغم كل الضجيج الذي رافق سوق الانتقالات الضخم للنادي الأحمر، ورغم الآمال العريضة التي وُضعت على كتيبة المدرب الهولندي آرني سلوت، خليفة يورجن كلوب.

الهزائم الأخيرة أمام كريستال بالاس في الدوري الإنجليزي الممتاز، ثم أمام جالطة سراي في دوري أبطال أوروبا، كانت بمثابة جرس إنذار قوي هزّ أروقة أنفيلد. صحيح أن الفريق ما زال يتصدر الدوري بفارق نقطتين عن آرسنال، ويملك ثلاث نقاط من مباراتين في مجموعته الأوروبية، لكن الانطباعات التي تركتها المباريات الأخيرة أثارت الكثير من علامات الاستفهام حول التوازن، والخيارات التكتيكية، وحقيقة جدوى بعض الصفقات الكبرى.

فريق بلا توازن

أنفق ليفربول نحو 450 مليون جنيه إسترليني في فترة الانتقالات الصيفية الماضية، في سوق وصفه كثيرون بالأضخم والأكثر جرأة في تاريخ النادي الحديث. من بين الأسماء التي وصلت إلى ميرسيسايد: السويدي ألكسندر إيزاك، الألماني فلوريان فيرتز، الفرنسي هوجو إيكيتيكي، الظهير المجري ميتجا كيركيز، الجناح السريع جيريمي فريمبونج، إضافة إلى الموهوب  ليوني.

التعاقدات جعلت الجماهير والصحافة تضع ليفربول في صدارة المرشحين للفوز بالدوري ودوري الأبطال معاً. لكن الصورة على أرض الملعب لم تكن متطابقة مع الأحلام. فبدلاً من فريق متماسك يعرف كيف يتحكم في إيقاع المباريات، بدا “الريدز” كما وصفه أسطورته السابقة جيمي كاراجر: “يلعبون كرة السلة لا كرة القدم، ينتقلون من طرف إلى آخر بلا سيطرة ولا توازن. فريق كبير لا يمكنه أن يتحمل هذا الاندفاع العشوائي”.

الهشاشة الدفاعية ظهرت أمام نيوكاسل حين لعب الفريق بعشرة لاعبين شوطاً كاملاً وكان قريباً من الانهيار، ثم أمام أتلتيكو مدريد في لقاء دوري الأبطال الذي فاز به ليفربول فقط برأسية فان دايك الحاسمة. ومن هنا بدأت الأسئلة تحاصر سلوت: هل افتقد الفريق الانضباط الذي ميّز حقبة كلوب؟ وهل كان سوق الانتقالات بهذا الحجم نعمة أم نقمة؟

معضلة سوبوسلاي ومأزق فيرتز

معضلة سوبوسلاي ومأزق فيرتز

من أبرز الانتقادات التي وُجّهت إلى المدرب الهولندي اختياره المتكرر إشراك دومينيك سوبوسلاي في مركز الظهير الأيمن. 4 مباريات هذا الموسم لعبها المجري خارج مركزه الأصلي كصانع ألعاب أو لاعب وسط هجومي. وفي مواجهة جالطة سراي، تسبّب اللاعب في ركلة جزاء بعدما عرقل باريس ألبير يلماز، ليُهدي الأتراك فوزاً تاريخياً على حساب الريدز في إسطنبول.

لكن القضية الأعمق تتعلق بالوافد الأغلى: فلوريان فيرتز. الصفقة التي كلّفت ليفربول ما بين 135 إلى 150 مليون يورو بما في ذلك المكافآت، لتصبح ثالث أغلى صفقة في تاريخ كرة القدم بعد نيمار ومبابي.

فيرتز، الذي كان يُنظر إليه في ألمانيا باعتباره “جوهرة ليفركوزن”، بدا في إنجلترا مثل سمكة خرجت من مياهها. لم ينسجم مع إيقاع الفريق ولا مع الدوري، ولم يقدّم بعد ما يبرر الاستثمار الضخم فيه. وبات اسمه مرتبطاً في كل نقاش جماهيري أو إعلامي بعبارة “التوازن المفقود”.

انتقادات قاسية من روني وكاراجر

انتقادات قاسية من روني وكاراجر

المحللون واللاعبون السابقون لم يترددوا في مهاجمة خيارات سلوت والصفقات الجديدة. كاراجر قال بوضوح: “فيرتز بعيد تماماً عن مستواه، يبدو في غير مكانه. هو شاب وسيحصل على الوقت لينضج، لكن ليفربول الآن يحتاج إلى استعادة تماسكه. أرى أنه يجب استبعاده مؤقتاً حتى لا ينهار الفريق أكثر”.

أما واين روني، أسطورة مانشستر يونايتد السابق، فكان أكثر قسوة حين صرّح: “فيرتز موهوب جداً، لكن مكانه غير واضح. هل هو لاعب وسط ثالث؟ لا أظن. هو أقرب إلى لاعب هجومي. لكن وجوده في الملعب يجعل ليفربول يفقد توازنه. إذا خُيّرت بينه وبين سوبوسلاي، سأختار سوبوسلاي من دون تردد”.

تصريحات روني أشعلت الجدل أكثر، إذ أعادت النقاش حول فلسفة التعاقدات في النادي، وهل كان من الأفضل استثمار الأموال في تدعيم الدفاع أو حراسة المرمى بدلاً من إضافة صانع لعب جديد إلى وسط يعج بالنجوم؟

سلوت في قفص الاتهام

سلوت في قفص الاتهام

حين جاء آرني سلوت من فينورد الصيف الماضي، حمل على كتفيه إرثاً ثقيلاً خلفه كلوب. الرجل حقق إنجازاً فورياً بإعادة لقب الدوري الإنجليزي إلى أنفيلد، ما جعل الكثيرين يعتقدون أنه القائد المثالي للمرحلة المقبلة. لكن كرة القدم لا ترحم، واليوم يجد الهولندي نفسه أمام أسئلة صعبة:

لماذا يصرّ على تجارب تكتيكية غريبة مثل سوبوسلاي كظهير؟

كيف يمكن توظيف فيرتز بالشكل الذي يعكس قيمته الحقيقية؟

والأهم: كيف يعيد الفريق إلى تماسكه الذي كان السلاح الأهم في سنوات النجاح؟

جدول ناري يختبر الريدز

جدول ناري يختبر الريدز

رغم أن الأزمة لم تصل بعد إلى مستوى “الدراما” التي تهدد مستقبل الموسم، إلا أن المؤشرات خطيرة. والاختبارات القادمة ستكون أكثر صعوبة.

يحل ليفربول ضيفاً على تشيلسي في قمة نارية السبت المقبل، ثم يستضيف مانشستر يونايتد بعد فترة التوقف الدولي، قبل أن يسافر إلى ألمانيا لمواجهة آينتراخت فرانكفورت في دوري الأبطال.

ثلاث مباريات ستشكّل امتحاناً حقيقياً لسلوت ولاعبيه. فإما أن يستعيدوا توازنهم سريعاً، أو يفتحوا الباب لأزمة أكبر قد تطيح بالثقة التي بُنيت منذ قدوم المدرب.

أزمة مؤقتة أم بداية انهيار؟

أزمة مؤقتة أم بداية انهيار؟

المشهد الحالي يضع ليفربول بين خيارين: إما أن تكون الهزات الأخيرة مجرد “تعثر مؤقت” في بداية موسم طويل، أو أن تكون مؤشراً على ثغرات عميقة قد تنسف حلم المنافسة على جميع الجبهات.

الجواب ستحمله الأسابيع المقبلة، لكن المؤكد أن صفقة فيرتز الضخمة، التي كان يُفترض أن تمنح ليفربول بعداً جديداً في الإبداع الهجومي، تحولت في بداياتها إلى عبء ثقيل يثير الجدل والانتقادات. وبينما يواصل الفريق صدارة الدوري، يبقى السؤال الأهم: هل يكفي ذلك لإخفاء الفوضى التي تضرب توازن “الريدز”؟